يعدّ فلج دارس بولاية نزوى من أكبر أفلاج سلطنة عمان وأكثرها عراقة، حيث يسقي مساحة كبيرة من المزارع والبساتين وواحات النخيل بالولاية، ويعدّ من الأفلاج الغزيرة قياسا لكمية مياهه المتدفقة وطول قناة التصريف التي قد تمتد لمسافة خمسة كيلومترات من عين الفلج خلاف امتداده لأكثر من عشرين كيلومترا تحت الأرض من أم الفلج وقد تم اختيار الفلج من بين الأفلاج الخمسة في سلطنة عمان لإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي من قبل لجنة التراث العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم ( اليونسكو) تأكيدا على أهميته والمحافظة عليه، حيث يحكي براعة العمانيين قديما في إنجاز نظام الأفلاج الذي تشتهر به سلطنة عمان منفردة عن العديد من الدول، فقد أتقنه العمانيون منذ القدم وهو نظام يعتمد على استخراج المياه من باطن الأرض وتصريفها في قنوات تمتد لمسافات بعيدة يستفاد منها في الكثير من الاحتياجات. وقد تميزت سلطنة عمان بوجود العديد من الأفلاج في مدنها وقراها حتى لا تكاد تخلو قرية أو مدينة من الفلج وذلك نظرا لحاجة العمانيين قديما لهذه الأفلاج في الزراعة وغيرها من أعمال الحياة.
تقسيم دقيق
ولفلج دارس منذ القدم نظام حصص دقيق سار عليه العمانيون جيلا بعد جيل، وبرغم كونه أثرا تاريخيا وإرثا حضاريا وطنيّا إلا أن عملية تقسيم مياهه تتم وفق أعراف قديمة ويتم توزيع المياه بين عددٍ من الشركاء، وهناك آلية معينة في تقسيم المياه بين الأحياء والمزارع بالولاية وكذلك تحديد حصص كل فئة من الفئات.
لفلج دارس أعرافا قديمة نشأت منذ نشأته وسار عليها السابقون واللاحقون حيث تنقسم حصص الفلج بين فئات متعددة فهناك فئة المُلّاك وهم ممن يملكون حصصًا ثابتة في الفلج اشتروها سابقا أو توارثوها ، فهناك قسم لأوقاف المساجد وأوقاف بيت المال وقسم يتم المزايدة عليه سنوياً وآخر يتم المزايدة عليه أسبوعيًا وهذه التقسيمات لا يمكن أن تتغير برغم المستجدات والتغييرات في الحياة والطبيعة الجغرافية.
يقسّم الفلج حسب الأحياء وهناك آلية قديمة معتمدة على توقيت اليوم وحركة الشمس وبالمجمل فإن دورة الفلج بين الحارات والأوقاف تدور كل ثمانية أيام حيث يقسّم اليوم إلى فترة زمنية تسمّى «بادّة» وهي ما يقارب اثنتي عشرة ساعة ونصف أي أن اليوم هو بادّتان تقريبا وتكون حصة كل حي 3 (بواد) صباحية ومسائية وصباحية تليها الحارة الثانية مسائية وصباحية ومسائية وهكذا علمًا أن بداية البادّة صباحًا بين الساعة السادسة والسابعة، وتدور هذه التقسيمات كل ثمانية أيام كما أسلفنا بواقع ثلاث (بواد) ليبلغ مجملها خمس عشرة بادّة توزّع بين «العلاية والمدّة والسفالة وبيت المال والمساجد» حيث يعرف كل صاحب ماء توقيت دوران الفلج ويتهيأ للسقي من حصته الأسبوعية وتقسّم الساعات بنظام يسمى الأثر ويبلغ مدته نصف ساعة أي أن مجمل البادّة 25 أثرا ولذلك لكل دورة 75 أثرا في التقسيمة.
حصص الفلج مقسّمة، حيث إن هناك أصحاب المُلك وهم ممن اشتروا حصصا منذ القدم علما بأن هذه الحصص يتم بيعها عند عدم الحاجة لها ولكن عملية البيع لا تتم إلا نادرا، وهناك حصة من الفلج تسمى ربيطة وهي شبيهة الملك لكنها لا تدوّن في نسخة الفلج وهذه متعارف عليها حيث هناك عدة آثار لأشخاص معينين يقومون باستئجارها سنويًا وهناك جزء ثالث وهو المطروح للمزايدة فيما يسمى محليًا «القعادة» والتي تتم في الأول من ذي الحجة من كل عام لمدة سنة هجرية كاملة أما القسم الأخير فهو القعادة التي تتم أسبوعيًا لمنح الفرصة للمواطنين للسقي من الفلج نظير رسوم يتم تحصيلها من خلال مزاد علني حيث تتم القعادة ظهرًا يومين قبل بدء الدورة للمزايدة على الحصص الفائضة وهي عبارة عن ربع بادّة أي تقريبًا ثلاث ساعات.
أهمية الفلج
إن أهمية فلج دارس لا تأتي من كونه الأكبر في المنطقة فقط بل ربما لأنه الأهم على صعيد سلطنة عمان وقد أصبح رمزا للعطاء والحيوية في ولاية نزوى واقترنت به أحداث المنطقة ويروي هذا الفلج نحو 60 ألف نخلة إضافة إلى أنواع المزروعات الأخرى وأهمها أشجار الفاكهة كالحمضيات وبخاصة الليمون والسفرجل والنارنج والمانجو والموز والتين والخوخ والمشمش وزراعة قصب السكر وزراعة الخضروات بأنواعها (البصل والثوم والطماطم والكوسة والباذنجان والبامية والفجل والقرع والبطيخ وغيرها).
Add a review