نص المقالة
بين المضايق ذات التضاريس الحادة الواقعة في شمالي سلطنة عُمان، تقبع قرية صغيرة تحمل اسم كمزار، تبدو وكأنها مختبئة في خليج وادع، يفصل بين الجبال ومياه المحيط. ورغم أن ذلك المكان، يقع على أقصى الحدود الشمالية للسلطنة لا خارج هذا البلد، فإن القرية تتسم بطابع مميز عن باقي أنحاء عُمان. وقد أدت "العزلة الرائعة"، التي تنعم بها هذه القرية، إلى أن تصبح لها لغتها وثقافتها الخاصة بها.
تقع كمزار في أقصى الشمال العماني بمحافظة مسندم، وهي قرية صغيرة محصورة بين الجبل والبحر على مضيق هرمز، والذي يعد واحدا من أهم الممرات المائية في العالم، حيث يعبر من خلاله ما نسبته 40% من النفط العالمي، ولا يمكن الوصول إلى القرية إلا عن طريق البحر أو الجو.
تفصل صحراء صخرية تمتد على مسافة تصل إلى مئة كيلومتر، قرية كمزار العُمانية، عن باقي أنحاء السلطنة. وتنعم هذه القرية بـ "عزلة رائعة"، على نحو أدى إلى أن تصبح لها لغتها وثقافتها الخاصة.
وما يثير استغراب الناس ممن سمعوا عن القرية أن أهلها لا يتحدثون العربية كلغة أساسية، فهم يتحدثون الكمزارية وهي مزيج من عدة لغات أهمها الفارسية والهندية والإنجليزية والعربية والبلوشية، ويعتبر العديد من الباحثين والمهتمين بشأن كمزار أن هذه اللغة باتت مهددة بالاندثار بسبب التمدن، وانتقل عدد كبير من أهل كمزار إلى مدينة خصب المركز الرئيسي للمحافظة.
ويُطلق على مسندم لقب "نرويج الجزيرة العربية"، وذلك في ضوء ملامح ساحلها ذات الطابع البري بشكل دراماتيكي، والذي تتخلله أخوار شبيهة بالمضايق البحرية. لكن الفارق يتمثل في أن هذه الخلجان الصخرية الصغيرة، لم تتشكل جراء الانزلاقات المستمرة للأنهار الجليدية، كما حدث لنظيرتها الإسكندنافية، وإنما بفعل تصادم الصفائح التكتونية، التي تؤدي إلى تصدع القشرة الأرضية من أسفلها، وكأنها تحركات مخلوقات مرعبة، تتصارع لكي تخرج من قلب بيضة.
ويتجسد ذلك على نحو لافت للنظر بشدة، في اللغة السائدة في القرية، والتي تختلف عن أي لغة أخرى سواها. وتقول مكية الكمزاري، وهي إحدى القاطنات في القرية، إن تلك اللغة تمثل مزيجا من مفردات عتيقة عربية وفارسية، بجانب كلمات من لغات أخرى، مثل الأكادية والسريانية والتركية والإنجليزية والهندية. وتشير هذه السيدة، التي تدرس لغة كمزار وثقافتها، إلى أن اللغة المُستخدمة في القرية، لا توجد في أي مكان آخر في العالم.
وتمثل اللغة الكمزارية، مصدرا قويا للشعور بالفخر في هذه المنطقة. وقال لي معاذ الكمزاري، وهو ربان إحدى سفن الـ "داو" التي تقوم برحلات في المنطقة المحيطة بمسندم، إن "الكمزارية هي لغتنا الأم. وعندما نكون معا لا نتحدث بغيرها، رغم أننا جميعا نتقن العربية أيضا".
وقد تبدو الكثير من مفردات اللغة الكمزارية مألوفة للناطقين بالإنجليزية. وفي الوقت نفسه، تُنطق الكثير من المفردات التي أخذتها الكمزارية من العربية والفارسية، على نحو أقرب لما كانت عليه كلمات هاتيْن اللغتيْن في العصور الوسطى، لا العصر الحديث. ومنذ أمد بعيد، أدى مزيج التأثيرات المختلفة التي تحملها اللغة الكمزارية في طياتها، فضلا عن قدرتها على البقاء والصمود في بيئة تغلب عليها اللغة العربية بشكل هائل، إلى إثارة اهتمام اللغويين من أمثال كريستينا فان دير فال أنونبي وإريك أنونبي، اللذيْن عاشا وعملا في كمزار لمدة عام.
Add a review